السؤال : الأخذ بمناهج دعوية مستوردة وافدة؛ هل لذلك أثر على العقيدة، إذا علمنا ضعف عقيدة المتبوعين، أو ضعف عقيدة الولاء والبراء، أو عدم التفريق بين الفرق الضالة بمناهجهم عند أولئك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب: الفيصل في هذا هو اتباع منهج الرسل، خصوصًا خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، وخاتم الرسل كان أول ما يأمر التوحيد، ويوصي دعاته أن يدعوا أول شيء إلى التوحيد، ثم يأمر بعد ذلك بأوامر الدين من صلاة وزكاة وصيام وحج.
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات...)) إلى آخر الحديث ([1]).
ثم أيضًا منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة مأخوذ من سيرته ومن كتاب الله؛ لأن الله تعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، ويقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
{أَدْعُو إلى الله}: فيجب على الداعية أن يكون مخلصًا في نيته، بأن يكون قصده الدعوة إلى الله، ليس قصده الدعوة إلى نفسه أو الدعوة إلى شخص معين أو منهج معين أو طائفة معينة، وإنما يقصد الدعوة إلى الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ونفع الناس، هذا قصد الداعية المخلص.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى على هذه الآية: {أدعو إلى الله}؛ قال: "فيه وجوب الإخلاص في الدعوة؛ لأن بعض الناس إنما يدعو إلى نفسه، ولا يدعو إلى الله"([2]).
فالذي يدعو إلى نفسه، أو يدعو إلى طائفة، أو يدعو إلى منهج، أو يدعو إلى متبوع؛ لا يدعو إلى الله، وإنما يدعو إلى ما دعا إليه من غير الله.
فالواجب على الداعية أن يكون قصده الإخلاص لله عز وجل، ويكون قصده نفع الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، لا التحزب ولا التجمع مع الطوائف الأخرى، ولا المنازعات ولا الخصومات، ولا الانتصار فلان أو علان، وإنما ينتصر للحق، ويتبع منهج الحق، هذا هو الذي يدعو إلى الله على المنهج الصحيح.
الدعوة إلى الله بالإخلاص، الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
هذا منهج الدعوة الملخص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن سار على هذا المنهج، فهو الداعية إلى الله حقًا، ومن خالف هذا المنهج فإنه ليس داعية إلى الله، وإنما هو داعية لما أراد من الأمور الأخرى، فلابد من هذا المنهج.
والمنهج في الإسلام واحد، لا مناهح في الإسلام؛ قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}؛ هذا منهج الإسلام، وهذه المناهج الأخرى، وقال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام: 153].
ليس في الإسلام إلا منهج واحد؛ منهج الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي سار عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من الدعاة والمجددين لدين الله، منهج واحد، لا انقسام فيه ولا اختلاف.
وعلامة هذا المنهج أن الذين عليه لا يختلفون، بل يكونون جماعة واحدة، لا يختلفون فيها، بل يكونون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وعلامة المناهج المنحرفة وجود الاختلافات بين أهلها، والعداوة بين أهلها، والنزاع بين أهلها؛ فهذا هو الفارق.
الواجب أن نكون على منهج واحد، منهج الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة، وهو المنهج الصحيح الذي يجب أن نسير عليه في دعوتنا إلى الله، وفي عملنا، وفي جميع أمورنا، لو أخذنا بهذا؛ لم يحصل اختلاف، ولم يحصل عداوات، ولم يحصل تفرق، إنما يحصل التفرق من مخالفة هذا المنهج، والتماس مناهج أخرى، هذا هو الذي يوجب التفرق والاختلاف.
-------------------------------
([1]) رواه البخاري في "صحيحه" (2/108) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
([2]) انظر: "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى (ص45 ـ 46) بمعناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - (ج 1/ ص297) [ رقم الفتوى في مصدرها: 174]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]